عـنـد نـهـايـة الـحـرب الـعـالـمـيـة الـثـانـيـة حـاولـت فـرنـسـا أن تـسـتـعـيـد هـيـبـتـهـا الـمـفـقـودة وكـبـريـائـهـا، فـظـهـرت بـمـظـهـر الـقـوة تـجـاه شـعـوبـهـا الـمـسـتـعـمـرة، خـصـوصـا الـشـعـب الـجـزائـري الـذي اغـتـنـم فـرصـة نـهـايـة الـحـرب هـذه لـلـضـغـط عـلـى فـرنـسـا لـكـي تـسـتـجـيـب لـمـطـالـبـه وفـقـا لـمـا شـاركـت بـه الـجـزائـر مـن بـعـد جـهـد حـربـي تـحـت رايـة الـحـلـفـاء طـوال الـحـرب الـعالـمـيـة الـثـانـيـة.
وانـتـهـزت فـرنـسـا الـفـرصـة الـتـي سـنـحـت مـع مـظـاهـرات 08 مـاي 1945 لـتـرتـكـب أبـشـع مـجـزرة فـي حـق الشـعـب الجـزائـري والـتـي راح ضـحـيـتـهـا 45 ألـف جـزائـري.
ومـن الـمـعـلـوم أن هـذه الـمـجـزرة أعـطـت دفـعـا قـويـا لـنـشـاط الـحـركـة الـوطـنـيـة وزادت الـشـعـب وعـيـا بـمـطـالـبـه و بـيـنـت فـي نـفـس الـوقـت اسـتـحـالـة الـوصـول إلـى الاسـتـقـلال بـواسـطـة الـمـسـاومـات و الـطـرق الـسـلـمـيـة، فـكـان لا بـد مـن الاحـتـكـام لـلـسـلاح . فـكـانـت ثـورة نـوفـمـبـر 1954 الـخـالـدة.
I - ظـروفـهـا وأسـبـابـهـا الـمـحـلـيـة و الـدولـيـة :
لـقـد سـاعـدت عـدة عـوامـل سـيـاسـيـة واقـتـصـاديـة واجـتـمـاعـيـة، داخـلـيـة وخـارجـيـة، عـلـى انـدلاع الـثـورة الـتـحـريـريـة الـكـبـرى، يـمـكـن إيـجـازهـا فـيـمـا يـلـي :
1 - الـوجـود الاسـتـعـمـار مـنـذ 1830، والـسـيـاسـة الـتـي سـارت عـلـيـهـا فـرنـسـا فـي الـجـزائـر و التـي تـقـوم أسـاسًـا عـلـى مـحـاولـة مـحـو الـشـخـصـيـة الـجـزائـريـة وإخضاع الـبـلاد بـالـقـوة.
2 - الأوضـاع الاقـتـصـاديـة والاجـتـمـاعـيـة الـسـيـئـة الـتـي كـان يـعـانـي مـنـهـا الـشـعـب والـتـي زادت مـن اشـتـعـال حـمـاس الـحـركـة الـوطـنـيـة وكـره الـفـرنـسـيـيـن لأنـهـم الـسـبـب فـي هـذه الـوضـعـيـة الـسـيـئـة.
3 - عـقـم الـنـضـال الـسـيـاسـي حـيـث فـشـلـت الـحـركـات الـسـيـاسـيـة فـي الوصـول إلـى مـطـامـح الـشـعـب بـالـطـرق الـسـلـمـيـة و بـالـتـالـي ضـرورة الـلـجـوء إلـى الـعـمـل الـمـسـلـح.
4 - أزمة حـركـة الانـتـصـار لـلـحـريـات الديـمـقـراطـيـة 1953، فـقـد انـقـسـم الـحـزب عـلـى نـفـسـه، و قـام أنصار الـمـنـظـمـة الـسـريـة بـتـكـويـن "الـلـجـنـة الـثـوريـة للـوحـدة و الـعـمـل" الـتـي قـررت الـخـروج مـن الـنـشـاط الـسـيـاسـي و الـشـروع فـي الـكـفـاح الـمـسـلـح، و بـالـتـالـي وضـع الأحـزاب أمـام الأمـر الـواقـع.
5 - انـتـشـار مـوجـة الـتـحـرر فـي الـعالـم الـثـالـث في الـفـتـرة الـتـي أعـقـبـت الـحـرب الـعالـمـيـة الـثـانـيـة وحـصـول الـكـثـيـر مـن الـدول عـلـى اسـتـقـلالـهـا وكـان هـذا مـشـجـعـا لـقـيـام الـثـورة فـي الـجـزائـر.
6 - نـجـاح الـثـورة الـمـصـريـة 1952 و بـدايـة الـكـفـاح الـمـسـلـح فـي تـونـس و الـمـغـرب.
7 - فـقـد فـرنـسـا مـكـانـتـهـا الـدولـيـة بـعـد الـحـرب العـالـمـيـة الـثـانـيـة وضـعـف قـوتـهـا العسـكـرية، بـالإضـافـة إلـى هـزيـمـتـهـا فـي حـرب الـفـيـتـنـام سـنـة 1954، وكـان لـهـذا أثـره الـكـبـيـر فـي نـفـوس الـجـزائـر بـيـن، حـيـث خـلـصـهـم مـن عـقـدة الـخـوف الـتـي لازمـتـهـم مـدة طـويـلـة، و أصـبـحـت لـهـم ثـقـة فـي تـحـقـيـق الـنـصـر.
هـذه الـعـوامـل مـجـتمـعـة كـانـت كـافـيـة لانـدلاع الـثـورة الـتـحـريـريـة الـكـبـرى.
فـفـي صـبـاح أول نـوفـمـبـر 1954 و قـعـت الـعـديـد مـن الـهـجـومـات الـمـتـزامـنـة فـي جـمـيـع أنـحـاء الـجـزائـر، عـلـى مـخـتـلـف الأهـداف الاسـتـراتـيـجـيـة والـعـسـكـريـة الـفـرنـسـيـةّ، واسـتـطـاع الـثـوار بـإمـكـانـيـاتـهـم الـبـسـيـطـة الـمـتـمـثـلـة فـي بـنـادق الـصـيـد والأسـلـحـة الـمـحـلـيـة، أن يـسـتـولوا عـلـى كـمـيـات مـعـتـبـرة مـن أسـلـحـة ونـخـيـرة الـعـدو وفـي نـفـس الـيـوم وزعـت جـبـهـة الـتـحـريـر الـوطـنـي بـيان أول نـوفـمـبـر لـتـوضـح لـلـشـعـب الـجـزائـري الأسـبـاب الـحـقـيـقـيـة لـلـثـورة وأهـدافـهـا وأسسـهـا والوسـائـل لـتـحـقـيـق الاسـتـقـلال الـتـام.
II- ردود الـفـعـل الأولـيـة :
1 - الـوطـنـيـة :
نـظـرًا لأن الإعــداد لـلـثــورة الـمـسـلـحــة كـان مـحــاط بـالـســريــة الـتــامـة، فـإن انـدلاعــهـا كـان مـفـاجـأة لـلـجـمـيــع، الأمــر الــذي أحـــدث ردود فـعـــل
مـخـتـلـفـة، سـواء بـالـنـسـبـة لـلـشـعـب الـجـزائـري أو بـالـنـسـبـة لـلأحـزاب الـجـزائـريـة.
أ - الـشـعـب الـجـزائـري :
بـارك الـشـعـب الـجـزائـري الـثـورة الـمـسـلـحـة ورأى فـيـهـا الأمـل الـوحـيـد لـتـحـقـيـق مـطـامـحـه فـي الـحـريـة والاسـتـقـلال، فـاحـتـضـن الـثـورة و سـاهـم فـيـهـا بـالـنـفـس و الـنـفـيـس.
ب - الأحـزاب الـجـزائـريـة :
شـعـرت الأحـزاب الـجـزائـريـة بـالـدهـشـة وأثـر الـمـفـاجـأة وبـنـوع مـن الـتـخـوف مـن الـنـتـائـج و خـاصـة مـن الـفـشـل و يـعـود ذلـك إلـى أن الـبـعـض كـان ضـد الـعـمـل الـمـسـلـح، و الـبـعـض الآخـر كـان يـرى بـأن وقـت الـثـورة لـم يـحـن بـعـد، أو لأنـه لـم يـكـن صـاحـب الـمـبـادرة فـيـهـا، ولأنـهـا انـدلـعـت بـغـيـر عـلـمـه. لـكـن هـذه الـمـواقـف تـغـيـرت بـعـد سـنـة 1956 خـصـوصًـا بـعـد الانـتـصـارات الـتـي تـحـقـقت عـلـى الـصـعـيـديـن الـداخـلـي و الـخـارجـي.
* بـالـنـسـبـة لـلـمـصـالـيـيـن، عـارضـوا مـبـدئـيـا الـكـفـاح الـمـسـلـح، و وصـفـوا الـثـورة بـأنـهـا حـوادث مـمـاثـلـة لـحـوادث الـمـغـرب وتـونـس، و فـي الأخـيـر انـظـم كـثـيـر مـنـهـم إلـى الـجـبـهـة و شـارك فـي الـكـفـاح، وظـل مـصـالـي الـحـاج والأقـلـيـة الـبـاقـيـة مـعـه عـلـى الـرفـض حـتـى الاسـتـقـلال.
* بـالـنـسـبـة لـلـمـركـزيـيـن، وصـفـوا الـثـورة بـأنـهـا حـوادث خـطـيـرة واعـتـداءات يـعـاقـب عـلـيـهـا الـقـانـون، لـكـن هـذا الـمـوقـف سـرعـان مـا تـغـيـر، حـيـث انـظـم أغـلـبـهـم إلـى الـثـورة و قـامـوا بـأدوار كـبـيـرة فـي الـكـفـاح، وقـد تـولـى رئـيـسـهـم " ابن خـدة " رئـاسـة الـحـكـومـة الـجـزائـريـة الـمـؤقـتـة الأخـيـرة.
* بـالـنـسـبـة لـلاتـحـاد الـديـمـقـراطـي لـلـبـيـان الـجـزائـري، فـإنـه بـقـي مـتـحـفـظـا مـن تـأيـيـد الـثـورة ولـم يـنـظـم إلـيـهـا فـي الـبـدايـة وظـل يـقـتـرح حـلـولاً سـيـاسـيـة، و فـي سـنـة 1956 قـام فـرحـات عـبـاس بـحـل الـحـزب وانـظـم إلـى الـثـورة ومـعـه أغـلـب الأعـضـاء واسـتـطـاع أن يـصـبـح رئـيـسـا لـلـحـكـومـة الـجـزائـريـة الـمـؤقـتـة الأولـى.
* بـالـنـسـبـة لـجـمـعـيـة الـعـلـمـاء الـمـسـلـمـيـن، فـإن مـوقـفـهـا لـم يـتـضـح فـي الـبـدايـة ولـم يـتـبـلـور فـي مـسـانـدة الـثـورة حـتـى سـنـة 1956 حـيـث انـظـم الـكـثـيـر مـن أعـضـائـهـا إلـى الـجـبـهـة وشـاركـوا فـي الـكـفـاح الـتـحـريـري.
2 - الـفـرنـسـيـة :
تـجـاهـلـت فـرنـسـا الـثـورة الـجـزائـريـة وأطـلـقـت عـلـى الـثـورة أسـمـاء مـخـتـلـفـة مـثـل قـطـاع الـطـرق، الـخـارجـون عـن الـقـانـون، الـعـصـابـات ...
كـمـا دعـت بـأنـهـا مـحـدودة فـي منـطـقـة مـعـيـنـة هـي الأوراس، واعـتـبـرتـهـا خـارجـيـة حـيـث