[rtl]تفسير قوله تعالى [/rtl]
[rtl]﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾[/rtl]
[rtl]محمد حسن نور الدين إسماعيل[/rtl] [rtl]قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 7 - 9].[/rtl]
[rtl]سورة محمد تسمى سورة القتال، وهي مدنية، وآياتها ثمان وثلاثون.[/rtl]
[rtl]والنَّصر والنُّصرة: العون، قال تعالى: ﴿ نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ ﴾ [الصف: 13]، ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ ﴾ [النصر: 1]، ﴿ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ ﴾ [الأنبياء: 68]، ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ﴾ [آل عمران: 160]، ﴿ وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 250]، ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا ﴾ [غافر: 51]، ﴿ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [التوبة: 74]، ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 45]، ﴿ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 107]، ﴿ فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [الأحقاف: 28]، إلى غير ذلك من الآيات.[/rtl]
[rtl]ونُصرة الله للعبد ظاهرة، ونصرة العبد لله هو نصرته لعباده، والقيام بحفظ حدوده ورعاية عهوده، واعتناق أحكامه واجتناب نهيه، قال تعالى: ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ﴾ [الحديد: 25]، ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾ [محمد: 7]، ﴿ كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ ﴾ [الصف: 14]، والانتصار والاستنصار طلب النصرة: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾ [الشورى: 39]، ﴿ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ ﴾ [الشورى: 41]، ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴾ [القمر: 10]، وإنما قال: ﴿ فَانْتَصِرْ ﴾ ولم يقل: انصُر؛ تنبيهًا أن ما يلحقني يلحقك؛ من حيث أني جئتُهم بأمرك، فإذا نصرتني فقد انتصرت لنفسك، والتناصر: التعاون؛ قال تعالى: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ﴾ [الصافات: 25][size=16][1].[/rtl][/size]
[rtl]قال ابن كثير رحمه الله تعالى: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾، كقوله عز وجل: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ﴾ [الحج: 40]؛ فإن الجزاء من جنس العمل؛ ولهذا قال: ﴿ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾، كما جاء في الحديث: ((من بلَّغ ذا سلطان حاجةَ مَن لا يستطيع إبلاغها، ثبَّت الله تعالى قدَميه على الصراط يوم القيامة)).[/rtl]
[rtl]ثم قال تبارك وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ ﴾ عكس تثبيت الأقدام للمؤمنين، وقد ثبَت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((تَعِس عبد الدينار، تعس عبدُ الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس وانتكَس، وإذا شِيك فلا انتقَش))؛ أي: فلا شفاه الله عز وجل.[/rtl]
[rtl]وقوله سبحانه: ﴿ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾؛ أي: أحبطها وأبطلها، ولهذا قال: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾؛ أي: لا يريدونه ولا يحبونه، ﴿ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾[2].[/rtl]
[rtl]قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى:[/rtl]
[rtl]هذا أمرٌ منه تعالى للمؤمنين أن ينصروا اللهَ؛ بالقيام بدينه والدعوة إليه وجهادِ أعدائه، وأن يقصدوا بذلك وجهَ الله؛ فإنهم إذا فعَلوا ذلك نصرَهم وثبَّت أقدامهم؛ أي: يربط على قلوبهم بالصبر والطُّمأنينة والثبات، ويصبر أجسادَهم على ذلك، ويُعينهم على أعدائهم، فهذا وعدٌ من كريمٍ صادق الوعد أن الذي يَنصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه وييسِّر له أسبابَ النصر؛ من الثبات وغيره، وأما الذين كفروا بربهم ونصروا الباطلَ ﴿ فَتَعْسًا لَهُمْ ﴾[3]؛ فإنهم في تعس؛ أي: انتكاس من أمرهم وخِذلان، ﴿ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾؛ أي: أبطل أعمالهم التي يَكيدون بها الحقَّ، فرجع كيدُهم في نحورهم، وبطلَت أعمالهم التي يزعمون أنهم يريدون بها وجهَ الله.[/rtl]
[rtl]ذلك الإضلالُ والتعس للذين كفروا بسبب أنهم: ﴿ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾؛ من القرآن الذي أنزله صلاحًا للعباد وفلاحًا لهم، فلم يقبلوه، بل أبغضوه وكرهوه، ﴿ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾[4].[/rtl]
[rtl][1] المفردات في غريب القرآن - الراغب الأصفهاني ص 497.[/rtl][rtl][2] مختصر تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى ج3 ص 331.[/rtl][rtl][3] التعس: الهلاك والعثار بالسقوط والشر، والبعد والانحطاط، ورجل تاعس وتعس، وفي مختار الصحاح: التعس: الهلاك، وأصله الكبُّ، وهو ضد الانتعاش، ويقال: تعسًا لفلان؛ أي: ألزمه الله هلاكًا، وفي المفردات للراغب الأصفهاني: "التعس؛ أي: لا ينتعش من العثرة، وأن ينكسر من سفال، وتعس تعسًا وتعسةً، وفي تفسير الجلالين: ﴿ فَتَعْسًا لَهُمْ ﴾؛ أي: هلاكًا وخيبة مِن الله لَهْم.[/rtl]
[rtl][4] تفسير السعدي رحمه الله تعالى ص 871.[/rtl]