الطفل على اللعب، ففي مراحله الأولى.. وهو جنين في بطن أمه، مع زيارة الأم للطبيب يسألها قبل الفحص: «هل تشعرين بالجنين يلعب؟»، إن أجابت بنعم، تابع الطبيب عمله مطمئنًا!..
وفي شهور عمر الطفل الأولى، كلما لمحته أمه يرمي بذراعيه، منتبهًا لصوتها وإشاراتها، سرّت وسعدت.. وفي سنته الأولى كلما كان يحبو هنا وهناك، يعبث ويكتشف العالم من حوله، زادت خبراته ومعارفه!.. فيما تتوالى الأيام والسنون، ويصبح اللعب هو الوسيلة والغاية بالنسبة للطفل.
ولا يبقى إلا أن نتوجه معه نحن الكبار كي نلقنه أسرار العالم الجديد الذي يعيش فيه: القيم والأفكار والمعتقدات.. وما أجدى أن يكون مدخلنا إليه هو اللعب، ومن خلاله، مع ضرورة فهم الخصائص العمرية لمراحل الطفولة (المبكرة والوسطى والمتأخرة)، ولكل مرحلة
خصائصها. إن النمو الصحيح للطفل، هو النمو اللغوي والنفسي والجسمي، وليس البدني فقط.
على الأم وعلى كتَّاب أدب الطفل مراعاة مفردات اللغة التي يتحدثون بها إلى أطفالهم في كل مرحلة، وكلما كانت المعلومة أو الفكرة المراد توصيلها سهلة التناول، بلا إيغال في اللغة، ومن خلال حوار أو موقف.. أقرب إلى الحوار التمثيلي أو الموقف المثير كما اللعب، كان ذلك أجدى للطفل.
يعد تناول موضوع اللعب والخيال والثقافة العلمية للطفل على ارتباط وتداخل، بحيث يلزم التعامل معها معًا. قال العالم الفلكي الأميركي «كارل ساجان»: «يبدأ كل إنسان منا حياته وكأنه واحد من العلماء، فتكمن في داخل كل طفل مشاعر وأحاسيس العالم التي تجعله
يتعجب ويندهش، إزاء الأشياء من حوله في الطبيعة» يعني أن «الدهشة» هي من فطرة الطفل ومن طباع العلماء، ولا عجب أن تكون الثقافة العلمية، مع توظيف الخيال الأدبي، مدخلًا لأدب جيد للطفل. وهو ما يتلاءم مع معطيات العصر، وإنجازاته العلمية.
إلا أن من يتصدى للكتابة للطفل، عليه أن يعي هدفه.. أن يتسلح بالمعلومة العلمية، ويتخير موضوعه، والقارئ الذي سيتوجه إليه. ليس المطلوب أن يصبح الطفل عالمًا، بل المطلوب أن يتعرف على: «عالم الطبيعة من حوله».. «استيعاب وفهم جوهر العلم، على اعتبار
أنه طريقة في التفكير».. «فهم أن كل العلوم على اتصال وتواصل، فلم يعد عالم الكيمياء بعيدًا عن عالم الطب والهندسة مثلًا».. و«أن العلوم على صور متطورة دومًا».
بتلك المحاور مع تبسيطها يمكن للطفل التطلع إلى المستقبل وهو واع بأن العلم ليس أمرًا مجردًا، كما يمكن أن يستوعب فكرة أن الإنسان عنصر من عناصر البيئة أو الطبيعة، يتفاعل معها وتتفاعل به.
لذا هناك بعض الخصائص الواجب توافرها في «الكاتب» إذا ما تصدى للكتابة العلمية للطفل، منها: أن يكون الكاتب محبًا للعلم والاطلاع على تاريخه ومستجداته.. أن يكون من ذوي الخيال الخصب الواسع.. فقدرة الخيال العلمي الممتزجة بالمفاهيم العلمية الصحيحة، تفيد
في التنبؤ، والتنبؤ يعد من أهم ملامح الأعمال العلمية للطفل، فقد تعتمد بعض الأعمال الأدبية للطفل على فكرة غير مطروحة، تنبأ بها الكاتب بخياله، معتمدًا على حقيقة علمية ما.. كما أن التناول الإجرائي للفكرة العلمية من ناحية الأسلوب والمعالجة الفنية يجب أن يكون مناسبًا
وجيدًا، يتسم بالبساطة والحيوية.
وليس أجدى من مقولة كاتب الأطفال «أحمد نجيب» (قبل رحيله) عن أمله في أن يرى جمعية أو رابطة لكتَّاب أدب الطفل –في كل بلد عربي- تحرص على دعم كتاب أدب الطفل بعيدًا عن الأشكال الرسمية والحكومية. ويضرب مثلًا بكتابه المهم «فن الكتابة للطفل»،
وهو الأول من نوعه، في حينه.. حيث قام بكتابته بعد الإعداد لبرنامج تدريبي لكتاب الطفل في القاهرة.. ثم شارك بعدها في ورشة أخرى بسلطنة عمان لكتاب الطفل العمانيين، في العام التالي. وهو ما يشير إلى جدوى تراكم الخبرات، وكم نحن الآن في حاجة إلى برامج عمل
تدريبية في مجال الثقافة العلمية والخيال العلمي.
مع ذلك فالثقافة العلمية عمومًا وما يخص الطفل منها، تواجه العديد من المشاكل في العالم العربي، حتى يبدو للمتابع أنها غير مرغوبة، على أهميتها للكبار المتخصصين للكتابة للطفل، وللطفل نفسه.
وهو ما يتضح من الآتي:
قصور السياسات الواضحة لرعاية وسائل التثقيف العلمي.. عدم توافر الدوريات والمطبوعات والآليات المختلفة لنشر الثقافة العلمية.. نقص البرامج الإعلامية العلمية، والمتاح منها قليل الخبرة وغير جذاب.. نقص آليات نقل الثقافة العلمية من مصادرها، داخليًا بالدولة العربية أو
خارجيًا من خارجها.. قلة فاعلية دور البحوث العلمية ومتاحف العلوم بالأقطار العربية المختلفة.. قلة المتاح من الإنتاج العلمي المبسط والواجب توافره للطفل وكاتب الطفل معًا.. غياب فهم جوهر العلم وفصله عن الحياة اليومية، حتى يبدو أحيانًا «المصطلح العلمي»
وغموضه سببًا في نفور القارئ العادي والطفل.. نقص شديد في ترجمة كتب تبسيط العلوم عن اللغات الأخرى للدول التي لها منجز علمي.. الفهم الخاطئ بالنظر إلى الثقافة العلمية بعيدًا عن الثقافة في الأدب والتاريخ وغيره.
إذا كان الواقع الثقافي يشير إلى ندرة الكاتب العلمي للطفل، سواء على مستوى الثقافة العامة أو الأدب، فلا سبيل سوى الانتباه إلى خطورة الظاهرة، بعد الاعتراف بها، ثم العمل بإخلاص على تلافيها. فالمشكلة ليست كلها مادية، جانب كبير منها يخضع لمنهجية التفكير القاصر،
بالنظر إلى الثقافة العلمية على كونها.. جافة ومملة وعديمة الجدوى.
بينما ربط الثقافة العلمية باللعب الذي هو صورة الحياة اليومية للطفل.. ثم بإعمال الخيال، أي في إطار إبداعي (قصصي أو شعري أو مسرحي أو لعبة على الكمبيوتر...).. ثم توفيرها للصغار. يمكننا بذلك تجاوز ما نحن عليه الآن تجاه الثقافة العلمية للطفل (وللكبار)، وما أحوج
الطفل العربي إليها مع متغيرات القرن الجديد.
هذا التقرير لدكتورالسيد نجم
متخصص في شؤون الطفل
من مجلة الوعي الاسلامي